البلاهة الانكليزية

لندن ـ ريشموند/4/آب/1992

الأخ الأحب شربل بعيني المحترم
ألف ألف تحية، وألف ألف سلام لك وللأسرة الكريمة.. وبعد
فقد سعدت لوصول رسالتك إلى واشنطن، ثم أرسلتها ابنتي لينة إلى لندن، لأني لم أستطع الانتظار حتى عودتي إلى واشنطن، فأشرت عليها بالاسراع، فوافتني كلماتك اليوم الثلاثاء، ولله الحمد الأسرة بخير وصحة وعافية، لولا غلاء الأسعار في لندن لكانت إحدى جزر النقاهة، لكن البلاهة الانكليزية المصطنعة ما زالت على وجوه الانكليز، فهم النبلاء والأغنياء المترفون من بني قومهم، وكأن ليس في العالم سوى النوعية الانكليزية، والبقية من بني البشر توابع، وكل الاسعار هنا تعادل ضعفي الاسعار في واشنطن.

ونعود إلى حديث آلمني جداً، وهو أني صممت على عدم الرجوع إلى (غربة)، كما شرحت لك بالتفصيل، وللعلم فقط، فإن أحدهم قد شارك معنا بثلاثة أعداد، ولما لم يعجب ذلك السيد المعاطي، سارع إلى إبعاده، فكان هذا مفيداً له، إذ يصدر كل اسبوعين مجلة أسماها (الوطن)، تعتمد على ريع الاعلانات فقط، وتوزع مجاناً، لكنها تنتهج خطاً لست موافقاً على نهجه ولا هدفه، ولا على اسلوب المجلة تلك. فهي تتحرش بالسفارات، وتقدم السفالات، ولست أبيع حرفاً لهؤلاء الطغاة.

وأشكر لك كلمتك (أنك على استعداد لتنفيذ ما تريد نشره)، انني على يقة من أن قلبك الكبير يتسع لكل العواصف والرياح والغيث العميم.

إننا اخوة الحرف المقدس، فهو نبض نور في عالم الطغيان والديجور، ولن نلوث صفحة النور أمام استبداد الانانية والغدر.

وإنني اليوم غارق في بحث عن شعراء عصبة الأدب العربي في البرازيل، وسأقدم هذا البحث إلى كلية أوكسفورد، وقد وافيت هؤلاء الاخوة الشعراء برسائل ذات استفسارات عن نتاج شعرهم، وأنا بالانتظار، وقد يطول، وربما وربما لا يأتي الجواب من أحد. لكني سائر بالبحث عن هذه العصبة التي تلت العصبة الاندلسية وجامعة القلم، فلا بد من أن يتعرف عليها أدباء الوطن وأدباء المهجر. وأرجو أن أوفق إلى إتمام هذا البحث في الأشهر الثمانية القادمة بإذن الله.

وفي 14/8/1992 سأتوجه إلى واشنطن لأقوم أيضاً بإكمال قصص الأطفال، وإلى دمشق وصل (المتنبي شاعر يجلو مقلتي نسر)، بعد أن تعب على شواطىء فينيقيا وشواطىء الأطلسي وبحر المانش، واستقر الآن للمراقبة والموافقة على الطباعة والنشر والتوزيع، ويحتاج الأمر إلى شهرين ثم تجري المداولات مع إحدى المطابع، إذ من الصعب طباعة المتنبي في واشنطن، لأنه رفض الجنسية والإقامة والعمل وأراد أن يكون ويبقى عربي اللسان والقلب دون ترجمان.. وهذه مقادير الشعراء.

تحياتي إليك وإلى الجميع راجياً العلي القدير أن يوفقنا إلى الخير، الخير لكل عباده..

ودمت لأخيك
محمد زهير الباشا
**