دمشق/9 آذار/1988
الأخ الأعز والشاعر المرهف الاستاذ شربل بعيني المحترم
تحية صدق ووفاء ونحن على درب العطاء
وأنت تبني في قصيدتك الواحة الغناء
لكن الطحالب أكبر وأشد افتراساً من شوك الصحراء.. عجبي..
رسالتك تثلج قلبي، واشعر بدفء كلماتها، فإذا كان البريد يعمل على الفحم الحجري فهذا إطراء، لأن فيه دفئاً إنسانياً، بعد أن أصبح الأدب ينمو في حلوق المتاجرين بالانسانية.
لدي، على اختصار، من المخطوطات ما أن أنظر إليها وأراها خبيئة الدروج المظلمة والأرفف المغبرة، حتى ألوم نفسي كيف كتبت؟ ولماذا؟
هل أنفقت من عمري زهرة السويعات وأمضيتها لأكتب؟ ولمن أكتب؟ للجاحدين.. للسارقين من عيون الأطفال فرحة عمرهم؟!
وما الجاحدون والسارقون إلا أولئك المتطفلون على ألأدب والفن والكلمة!..
لدي مخطوطة عن الإنسان الذي خدع بالأسلحة الفاسدة عام 1948م.. وهي رؤية. ومجموعة قصصية عن الواقع الاجتماعي والنفسي المرير. ومجموعة قصصية للأطفال، ودراسات في النقد، وآراء حول الأدب والشعر. ولم أتمكن من نشر سوى:
مجموعة قصصية بعنوان: خيوط من رماد.
ومسرحية انتقادية عنوانها: من تحت لتحت.
وموازنة شعرية حول شعر حسان بن ثابت في الجاهلية والاسلام.
وهناك في المصنفات دراسات أخرى عن أبي تمام، وجرير، والنواسي وابن خفاجة.
لهذا كله اشعر واني في القطب عند جزر الفولكلاند، كما تسميها بريطانيا العجوز، أرقب تيارات الرياح، وأصطدم بثلوج يسيّرها زعانف الحيتان.. وطلب مني أخيراً أن أؤلف بعض ألأغنيات، وبدأت فعلاً بتأليف أغنية متواضعة ، صغت مطلعها: حبيتك مليون مرّه.. وشرع الملحن والمطرب بالتمرين عليها.
لم أكن أتصور يوماً أن الظروف تجبرني على أن أتنازل عن أجواء الدراسة والبحث والتنقيب إلى جو أحبه، وهو جو الغناء والموسيقا. اما أن أؤلف أغنية، ويطلب مني الأغنية الراقصة والنشيد الوطني، فهذه اسطورة من قدر يتلاعب بأعصابي، إذ لا بد من التنازل في عصر العمالقة بأسلوب (حك لي لحك لك)، فالحك بالتبادل يؤدي الى الامن الدولي.
في الاسبوع الماضي، تكرّم عليّ الأديب نعمان بزيارة، وجرى الحديث حول تأليف كتاب شامل عن إبداعك، وشعرك، فتفضل الاخ نعمان ووضع النفقات بالليرة السورية، وفق ما يلي بصورة أقرب إلى الصواب، وهو المتمكن من معرفة النفقات:
240 صفحة× 15 ملزمة× 1500 ورقة
النفقات:
45000 ل س ثمن ورق + 15000 ل س تنضيد وبلاك + 5000 ل س ثمن غلاف + 4500 ل س اجرة طباعة + 4500 ل س اجرة تجليد. المجموع74000 ل س، بما يعادل 2500 دولار أمريكي/ لألف نسخة فقط. ترسل إليك 500 نسخة، والباقي 500 نسخة توزع بسورية، ويكون ثمن النسخة 74 ل س، الكلفة بما يعادل دولاران ونصف. وهذا الأمر يتم بالاشتراك مع الأخ نعمان إن وافقت على هذا الأمر، أما إذا وجدت الأمر سهلاً لدى طباعته عندكم (وباسمي فقط) على باب التواضع، فأرجو إجابتك لأتمم ما أزمعت به حول تأليف الكتاب عن مؤلفاتك، وسأعلمك بتسمية الكتاب، فأرجو التفضل بإبداء الرأي حول هذا الأمر.
إن المادة، الدولار، يقف كالغول يفترس كل ابداع، ليبقى صوته هو الأعلى، ولو صرخت جميع القبائل بأفريقيا إنها جائعة، لرمى لها بالنتف من الخبز المحمّص، فتركع وهي أم الخيرات في هذا الكون.. تجوع ثانية.. وقرناً.
أشكر لك اهتمامك بما ينشر لي، وكنت أتمنى لو تفضّلت بنشر الأبجدية كاملة عن (وذقت الذي ذقته مرتين)..لعل ذلك يكون أوضح في الحديث عن ألأخطل، وما مازجه من لقاءات فنية بشعرك وزجلك.
تحياتي إليك، وآمل اللقاء بنبضات قلبك التي أستمد منها الرؤية لخير البشرية.
أحييك مع سلامي إلى الاستاذ كامل المر، متمنياً للجميع دوام الصحة والسعادة. أما راحة البال.. فكلنا في الهم شرق.. أو قل معي: فكلنا في الهم سيدني.
دمت أخاً كريماً وشاعراً ملهماً..
محمد زهير الباشا
**