
1/1/1992
إلى أحب نبضة شعرية حركت فيّ كل المشاعر.. أخي الأعز شربل
تحية أخوية وأشواقاً وبعد..
فكيف أحوالك؟ زصحتك وإرادتك؟ ومتى نفرح وأنت تختار عروسك، فهي تعيش معك وبشعرك وبغضبك وبهجتك في آن؟ أم أنت أبعد من أن تنفذ ما تود اختياره؟ الأنك فضلت الشعر والعزلة وعيشة الفراشات؟ الأنك ارتأيت العيش مع القضية فقط؟.. قضية الوطن، قضية الجمال، قضية الحب والعدالة، وليسقط الاستعمار النسائي.
شكراً لك، فوصول (نجمة الساري) للشاعر عصام ملكي كان وما زال فرحاً يحرك المواجع، وقد وضع النور على الأوضاع، فعرفنا المعاناة وشهدنا الأفراح وما نالنا منها.. قصيدة ممتازة تفتح لنا الأبواب ليلج القلب إلى الهمسات الجارحة والآفاق المنطلقة.. وشكراً لمجلة الرابطة، وأرجو أن تستمر كل المواهب بعطائها ونتاجها، فتنشر في كل الدوريات ليعرف الناس ما يملكون من مواهب وقدرات.
والنضال اليوم على واقع مؤلم، حملناه معنا من الوطن، فكانت العقد النفسية سدوداً منيعة لمتابعة النهوض بالفكر وبالشعر والقصة والنقد.. عوائق تمر بنا والغربة شاهدة على أن هذه العقد النفسية تجرنا إلى الخلق.. فبانت (غربة) تجمع عددين في عدد واحد، فقلت أهلاً وسهلاً، فهذا خير من انقطاع مفاجىء، لهذا بقيت المساحات الصالحة لنشر المقالات على حالها.. الشيء الوحيد الذي استطعت إنهاءه: دراسة متواضعة حول خطوتك الجريئة (مناجاة علي)، فكيف أكتب وأسرتي، كما تعلم، دفعت، وما زالت تدفع ثمن وجودها من أتباع أتباع علي، وهو بريء من هذه التصرفات القمعية؟
كيف تستطيع أن تلحم هذه الفجوة المدماة بالألم، وبالدفن لأبنائنا أحياء في صحراء تدمر؟ لا بد من الصراع على الحكم، على الكرسي، على المائدة، على الرغيف، على القلم، على الآهة.. لكن الصراع بالحوار حضارة، الصراع بالتفاهم تقدم، الصراع بالمنافسة الشريفة ارتقاء للنفس البشرية.. أما أن ينقلب الصراع فتك وغدر وقسوة، فهذا الصراع لا لخدمة الجالسين على الكراسي، وإنما هو صراع لتأمين النجاح والفوز والبيعة المزيفة قبل شهر، وأنت الأدرى، ما في الساحة الودية من انتهاكات!
سررت لأن كتابك الجديد (مناجاة علي) قد ترجم إلى عدة لغات، وأرجو أن يترجم إلى العربية على قلوب العرب، فيفهمه قراؤه العرب قبل غيرهم من العجم.
هدفك في الكتاب المحبة ونشرها، واللقاء بالله وحده، فهل إلى هذا السبيل نحن سائرون؟ ألم تسمع صرخة خليل الكافر لجبران خ ج وهو يصرخ داعياً الرب بأن يمنح الأرض الحرية والعدالة. سيبقى شرقنا منكوداً بطائفية تمزق.. تشتت.. تقتل.. تفني.. تنحني لربها، وأصبح لكل طائفة رب وأرباب، فمتى نتخلص من هذا التعصب والتزمت؟ وما قلت لك كفيل بأن يحيل هذا الصراع إلى مستنقعات ملأى بالمهربات. وويل لأمة تبحث عن سكاكين تمزق أوصالها، بدلاً من أن تشحذها للدفاع عن وجودها. فالوجود العربي مرهون بطلقة صواريخ من مستعمرة ديمونة، أي صحراء النقب. لذلك كتبت قصة (نخلة في صحراء النقب) ومن الذي أبعدها؟ هم أهلنا وليس عدونا!؟
أحييك أطيب تحية.. وهذه الرسالة الأوى إليك في مطلع هذا العام الجديد عام 1992م.. أحببت أن تكون رسالتي وقد سطرت عليها نبضاً مما أكنه إليك.. وما أود نشره لا تكفيه هذه الأسطر وأنت الأعلم بما في قلبي، وما تسطره نبضاته. أهنئك وأتمنى لك وللاخوة الأدباء أطيب عام، وأرجو أن تهدي سلامي إلى: كلارك،أكرم ، بو رزق، الدويهي، بو ملحم، الحلاب، الأيوبي، ملكي، نعمان الخوري، المر، خوري ونمور.
وللوالدة الكريمة تحية خاصة وتهنئة بحلول العام الجديد. وفقنا الله إلى ما فيه الخير للبشرية، دون النظر إلى لونه ومعتقده ومواقفه السياسية. ألا نعود إلى أنفسنا وعقولنا ونحن نشهد هذا التفكك المذهل للقياصرة الجدد، المتربعين في الكرملين سبعين عاماً؟ ألا نعود إلى أنفسنا وأمامنا التكتل الأوروبي ونحن غارقون في التيه؟
حماكم الله وإلى اللقاء، وأنتم جميعاً بأطيب صحة
المخلص
محمد زهير الباشا
**