+of+mzb4.jpg)
11 كانون الثاني 1989
أخي الأحب إلى قلبي شربل
أطيب تحية وأعطر سلام وبعد
فلا أدري كيف أجمع كلمات الشكر أزجيها إليك، وإلى كل من شكر لي عملي المتواضع، إن في الإذاعة أو الصحافة، صحيح إننا لم نلتقِ وجهاً لوجه، لنتعارف، ولنتبادل الحديث، لكنني عرفتك قبل أن نتعارف. حدثتك بالقلب والعين قبل الحديث باللسان، وحتى الآن، لم أدرِ ما الدافع أو ما الدوافع التي جمعتني بشعرك؟
هل هو الصفاء النفسي الذي لمسته في ثنايا حروفك؟
هل هو العذاب المشترك الذي عانيته في طرابلس، مثلما عانيته على ضفاف بردى؟
هل فقدان من نحب في أرض الفيحاء كفقدانك الأرزة رمزاً للحياة قد جمعنا؟
لم أفكر يوماً في الدوافع، ودوافع التهجير كانت سياطاً تلسع كل خلية في جسمي الذي كابد وصابر على كل أنواع التجبّر حتى تهشيم عظام القلم، فالتجأت إلى الثقافة، مجلة ورجلاً، هو الأخ مدحة عكاش، الذي فتح لي قلبه وصفحات مجلته، وكنت أكتب ألأبجدية وأنا الرقيب الأول على معانيها، أو ما يرد، أو ما يمكن أن يفسّر تفسيرات مغلوطة، وأمامي قول لا أنساه لروتشيلو في القرن البع عشر، حيث قال، ولنعم ما قال: ليكتب كل أديب سطراً على الصدق، وأنا كفيل باتهامه ، وجره إلى المقصلة.
فكنت أكتب على صدق الرؤية والرؤيا، أجنح إلى الخيال، أهرب من سفسطات الكذبة والمرابين، فألقاك في دواوين تحمل هموم البشر، وأنا منهم، وعلى كاهلي ألف ألف حمل من واقع مؤلم، وأنا أعيش الآن على عنوان المنظمة الدولية لحقوق الانسان. سأعثر على العنوان قريباً، وأشرح لها قصة المرارة منذ عشرة أعوام، وقد فقدت ابني، وهو طالب سنة أولى حقوق بالجامعة السورية، وإلى الآن لم أعرف مصيره، وجوده، وكل أجهزة العيون المترصدة بنا، لم تعطِ أي جواب، بل كانت هذه الأجهزة تحقق معنا عن ابننا المفقود، الضائع، المسجون، المغدور، المجهول الاقامة، المنفي عن هذه الدنيا.. لا أدري!
أخي الأحب إلى قلبي شربل
أطيب تحية وأعطر سلام وبعد
فلا أدري كيف أجمع كلمات الشكر أزجيها إليك، وإلى كل من شكر لي عملي المتواضع، إن في الإذاعة أو الصحافة، صحيح إننا لم نلتقِ وجهاً لوجه، لنتعارف، ولنتبادل الحديث، لكنني عرفتك قبل أن نتعارف. حدثتك بالقلب والعين قبل الحديث باللسان، وحتى الآن، لم أدرِ ما الدافع أو ما الدوافع التي جمعتني بشعرك؟
هل هو الصفاء النفسي الذي لمسته في ثنايا حروفك؟
هل هو العذاب المشترك الذي عانيته في طرابلس، مثلما عانيته على ضفاف بردى؟
هل فقدان من نحب في أرض الفيحاء كفقدانك الأرزة رمزاً للحياة قد جمعنا؟
لم أفكر يوماً في الدوافع، ودوافع التهجير كانت سياطاً تلسع كل خلية في جسمي الذي كابد وصابر على كل أنواع التجبّر حتى تهشيم عظام القلم، فالتجأت إلى الثقافة، مجلة ورجلاً، هو الأخ مدحة عكاش، الذي فتح لي قلبه وصفحات مجلته، وكنت أكتب ألأبجدية وأنا الرقيب الأول على معانيها، أو ما يرد، أو ما يمكن أن يفسّر تفسيرات مغلوطة، وأمامي قول لا أنساه لروتشيلو في القرن البع عشر، حيث قال، ولنعم ما قال: ليكتب كل أديب سطراً على الصدق، وأنا كفيل باتهامه ، وجره إلى المقصلة.
فكنت أكتب على صدق الرؤية والرؤيا، أجنح إلى الخيال، أهرب من سفسطات الكذبة والمرابين، فألقاك في دواوين تحمل هموم البشر، وأنا منهم، وعلى كاهلي ألف ألف حمل من واقع مؤلم، وأنا أعيش الآن على عنوان المنظمة الدولية لحقوق الانسان. سأعثر على العنوان قريباً، وأشرح لها قصة المرارة منذ عشرة أعوام، وقد فقدت ابني، وهو طالب سنة أولى حقوق بالجامعة السورية، وإلى الآن لم أعرف مصيره، وجوده، وكل أجهزة العيون المترصدة بنا، لم تعطِ أي جواب، بل كانت هذه الأجهزة تحقق معنا عن ابننا المفقود، الضائع، المسجون، المغدور، المجهول الاقامة، المنفي عن هذه الدنيا.. لا أدري!
وجئت إلى هذه الديار، بعد أن حاولت الهجرة إلى أستراليا، فلم أفلح، وحاولت الهجرة إلى كندا، لكن السفارة الكندية عقب موافقتها على الهجرة، وجدت أن ثلاثة من أبنائي في أميركا، فطلبت مني الالتحاق بهم.. وطلبت مرة الالتحاق والهجرة الى الارجنتين بمساعدة أحدهم، شاعر شاعر ممتاز، لكنه لم يستطع أن يتحمل القضية، فعذرته لأنه شاعر وصادق.
إذا كانت طعنات الأجهزة مدماة، بعد أن أجبروني على الاستقالة بتوقيع سيد الاسياد، ثم ضياع ابني، ثم، ثم، ثم.. ألا يحق لي أن أرحِّل اولادي إلى ديار الغربة؟
والآن، لي ابنة في لندن متأهلة، وقد تخلصت من الجور، ومعي في هذه الدنيا الغريبة أربعة، ولله الحمد الأور نحو الأحسن.. أما عملي في الأكاديمية، فإني أتقاضى راتباً متواضعاً جداً جداً، إذ لا وساطة لدي تجاه المسؤولين، وقبلت به حتى لا أكون عالة على أحد، ولو أني استيقظ باكراً جداً، وأعود إلى البيت في الساعة الخامسة تقريباً، فهو أفضل من لا عمل.
حاولت النشر في احدى المجلات هنا، لا أدري، نشروا لي أربع مقالات، وأنتظر منهم نتيجة هذا النشر.. وكم أتمنى أن أكون بموافقتك قد نلت الموافقة بنشر الأبجدية الأسبوعية، مثلاً، في إحدى الصحف التي يمكن أن نتعاون معاً على ذلك. فما هو رأيك، كما شرحت ذلك سابقاً؟
اعذرني، إذ يمكن أن تعتبر هذا الرأي لاغياً في حالة عدم استجابة أي صحيفة أو مجلة التعاون معها.. ويبقى بيننا كل الود والمحبة والاحترام، وهي قيم لا يمكن أن تقدر بأي ثمن.
أحاول الآن أن أفتح باباً في مجلة الناقد التي تصدر في لندن عن طريق الأخ نعمان، لكني، وهذا حسن ظني به، لا أدري ما هو موقفه معي عقب نشرك دراستي المتواضعة؟ لا أستطيع أن أحكم إلا بعد أن يوافيني برأيه حول هذه الدراسة، أو أو أو.. والمهم عندي ألا أخسر أي صديق، فالدراسة كانت خدمة لهذا الحب، وهذه المودة، وهذا الاحترام، ليس إلا.. لم أبغِ من ورائها أي نفع مادي، وهذا ما لم يعجب الكثير الكثير ممن تعرف. وكانت ضربة معلم إذ جعلت (كلمة الاعتراف فضيلة) في الصفحة الأولى من الدراسة. إنها إشارة ذكية أصابت كل ألأهداف برمية واحدة.. وقيل حتى حتى وألف حتى إلخ.. ولا تهمني أقوالهم، ولا تخرصاتهم، فهم لا يعملون، ويسؤهم أن يعمل الآخرون.
أعجبت كثيراً بالدراسة القيمة التي قدمني بها للقراء الأخ المبدع أنطونيوس بو رزق، وسرني أكثر سماع صوتك في قصيدتك، وقد أعدت سماعها مسجلة وأنا أمني النفس باللقاء بك، لأسمع حديثك، ولأرتوي من أصالة معدنك الطيب. كما أن التقديم بالإذاعة حول الكتاب كان موفقاً جداً، فشكراً وألف شكر لك، ولكل من أحاطني برعايته، بكلمته الحلوة، ببسمته، بنقده الصادق، وبمن لا يعجبهم ألا يعمل الآخرون.
المهم أن نكتب، أن نشقى، أن نتعب، أن لا ننام وملء جفوننا السهد الذي يؤرق، والأرق الذي يتعب فلا نيأس، ننام لا عن شواردها، بل مع شواردها وسلبياتها، ونصحو على آمال هذه النفس.
إنني أبحث الآن عن المنظمة الدولية لحقوق الانسان، فأود معرفة عنوانها، لأوافيها بالوثائق اللازمة، فتبحث لي عن ابني المفقود في أرض الوطن. لم أعثر حتى الآن على العنوان، سأحاول، رغم لغتي الانكليزية الركيكة والضعيفة، وسأحاول دراسة الانكليزية عقب حصولي على إجازة سوق، وحصولي على سيارة، ربما بعد أشهر معدودات، لا أدري.. فهنا بدون سيارة أقف عاجزاً عن الحركة، لأني أحاول إعطاء دروس خاصة، فيشترط الأهل حضوري لعندهم، وهذا يحتاج إلى وسيلة للمواصلات، والوسيلة متوفرة بأثمان بخسة كما تعلم، سأصبر رغم ضياع فرصة التدريس للطلاب، تدريس خاص لكل المراحل التعليمية.
سأوافيك بنسخة عن الرؤية النقدية لرواية د. سمر العطار، وما يستجد من أمور.
لا تؤاخذني إن جعلت أموري واضحة بين يديك. الكل هنا من المدرسين العرب لمادة اللغة العربية قد أعجبوا بشعرك، وبدراستي المتواضعة، وازداد الطلب لحصول أهل الأدب في هذه الأكاديمية على نسخة من هذا الملاح الذي يبحث عن الله، فما تمانعت، ليتك تستطيع لو تفضلت إرسال نسخ إضافية قدر المستطاع، ولك مني كل الشكر سلفاً.
إنني أعود إلى كتاب المذكرات اليومية والسنوية للأديبة د. سمر العطار، وقلت في نفسي ما قلت وقالت:
خذوا بيتكم فغرفه مفتحة..
خذوا وطنكم، فأنا التائه في ضمائره المباعة..
يا من تعيشون على أجنحة الخفافيش
ولا ترتوون من دماء الأبرياء
ولا تشبعون من كنز الذهب والمتع والتخديرخذوا شوارعكم، فقلبي لم يعد يتهادى في مزارع الابتزاز..
خذوا كلماتكم، وشعاراتكم وجدرانكم وبنادقكم
فدم أخي على التراب أهدر..
ومن أجل ابتسامة لقمره أهدر..
ومن أجل لقمة عيش أهدر دمه
فكيف لي أن أعيش في بيتكم.. إلخ..
أخي ألأعز، يمكن لو تفضلت بنشر أسطر تختارها من هذه الرسالة، فأنا ما زلت إلى الآن أبحث عن بيت، فيه بهو للعنادل، وبهو للغناء، وبهو لمنازل الأقمار، فيه قصص شهرزاد تروى على لسان عاشقة، والعشق في الوطن غربة.
أخي شربل..
أكرر لك امتناني لكم جميعاً، وإن قلبي ليشارككم أعراسكم، مع شكري للأستاذ جوزيف بو ملحم، والاستاذ طوني سعد، ومطانيوس مخول، والاستاذ كامل المر.
وإلى اللقاء..
واسلم لأخيك
محمد زهير الباشا
**