فرجينيا/5/2/1990
أخي الأحب شربل..
يا أعز الأحبة..
أين كلماتك في رسائلك التي انقطعت عني؟ فهي كالغيث على صدري، تجعل أنفاس النبض يصحو ويأمل، ويحمد الرب أن في الحياة من ينبض بقلب عاشق كل القلوب المتعطشة للنور.
معزوفة الحب، في العين والقلب، معزوفة هي سيمفونية المستضعفين القابعين وراء أسوار القلاع التي غرسها الظلم بأنيابه.
استمعت لمعزوفتك، وما استطعت المتابعة، فقلبي مشغول بأم تميم، أركنت معزوفتك تحت طي أنفاسي، أفتح رموزها، فأصغي إلى أنين الآلة التي تمنح صدرها الأكسجين.. أربعة أشهر.. ثلاثة منها في مستشفى جورج واشنطن، وشهر في غرفة ما حلمتْ يوماً أن يتمدد جسدها وهي تنظر إلينا بفتح أجفانها، ولا ندري وراء حركة عيونها أي معنى.. لا أحد يدري!!
الأخبار هنا، تركوا لها التماثل للشفاء، لهذا اضطرّت (تيري) زوجة ابني تميم، ألأميركية الجنسية، أن تترك عملها لتراقب وتشرف وتقوم بمهمات صعبة، أعانها الله، فهي تقوم بالعمل ليلاً ونهاراً، وتساعدها ابنتي لينة، وأساعدهم قدر إمكاناتي.
اعذرني إذا اتجه قلمي يشكو إليك أمري.. ليس لي إلا الصبر والثبات، ولم يكن يتوقّع أحد توالي ألأحداث المؤسفة والأليمة خلال هذه الفترة.
أين كلماتك التي ترطب قلبي ولساني وأنا أتجوّل فيها؟ أين مشاريعك الأدبية التي تثلج كل قلب يتطلع إلى نتاجك؟
أين.. أين.. فلا جريدة تصل إليّ من سيدني لأعيش في ظلالها، فليسامحني الله على تساؤلاتي؟
رغم كل الغيوم والآلام اليومية التي نراها ونشارك بها ولا نستطيع لها رداً، وأم تميم صابرة، صامتة لم تتكلم منذ 4 أشهر، لا تأكل إلا عن طريق أنبوب إلى المعدة مباشرة. أضع على شفاهها حسوات من القهوة، و قطرات من الشاي، أو قطرات من الماء فقط.. رغم كل هذا، فإن ضوءاً أرجو أن يتسع ليكون نوراً لها، فهي، كما نشعر نحن، بدأت تسمع ، ولكن إلى أي مدى؟ لا أحد يدري. إن هذه الغيبوبة أليس لها نهاية؟
ورغم ما نحن فيه فإن هناك فكرة بطباعة ما كتبته عن المتنبي، إن شاء الله، سنبدأ بالشهر القادم بطباعة أولى، ومعرفة التكاليف وعدد النسخ.. التفصيلات ستكون جاهزة بالشهر القادم، وستعقبها طباعة قصص الأطفال، مع أساليب جديدة لدراسة اللغة العربية. دعواتك الطيبة لتكون الأمور على الأسهل فالأسهل..
ما هي أخبار الرابطة وأخبار الإخوة الذين غمروني بفضلهم وحسن وفائهم؟
لكن الذي استغربته أن صاحب رواية العرس ما زال لا يرغب بالرد على رسالتين كنت أرسلتهما إليه، ولله في خلقه شؤون.
كما أسفت كل ألأسف على قدوم د. العطار إلى فيلادلفيا ولم تتصل بي، وكأنها تعاملني معاملة الغرباء.. سامحها الله.. بينما أفتح صدري وبيتي لاستقبالها واستقبال أي أخ قادم من أرض الوطن الغربة إلى أرض الغربة.
أحييك أطيب تحية، وأتمنى لك وللاسرة وللأخ كلارك، وللاخوة أهل ألدب والقلم الحر أسعد الأيام.
واسلم لأخيم
محمد زهير الباشا
**