أشباه الرجال

فرجينيا/21/8/1990

أخي الأعز شربل
تحياتي وأشواقي.. بل ألف تحية وتحية وبعد
فكم سعدت بسماع صوتك، وكم آلمني خبر وفاة إبن أخينا هشام، وهذه هي أحوال الدنيا، لا ندري كيف تطحن منا الفلذات وضحكاتنا تسير في مهب الريح.. فكيف نعزّي أنفسنا بأنفسنا في ديار الغربة؟
ونحمد الله أن مسرحيتك (ضيعة الأشباح) قد جعلت منك مؤلفاً ومخرجاً ناجحاً، ولعلنا، بإذن الله، نتعاون بالمستقبل على تقديم مسرحية تضم النماذج المعروفة التي غاصت بأعمالها في مستنقع المادية والدنايا.. فالوطن اليوم، وطن الأشباح، في كل ضيعة ديكتاتور صغير هو الشبح الذي لا يموت، فهو الخالد بعنجهيته وطغيانه.

وكم تألمت لأن أعصابك تلفت وأنت تعمل في الإخراج المسرحي، أعرفك صابراً متجلداً، فلا تستسلم لأي إرهاق أو تعب.. فالأطفال دوماً ممثلون ناجحون يتقمصون الدور مهما صعب ببداهة وعلى الفطرة، وبعطاء لا زيف فيه، فهنيئاً لك بهذا النجاح.

وكم تألمت لحادثة أخينا الشاعر نعيم خوري، فشلّت يد الغادرين.. أيلحقنا الغدر والتمزيق إلى دار الغربة؟ أما امتلأت أيامنا بأصناف اللؤم والخسة؟

عصرنا تطحنه النوازع الشريرة، وويل لمن يدعو إلى إيقاظ الضمير، أو إضاءة طريق يسلكه الناس في سعادة وفرحة. وإنها لعبة قذرة في الخليج، فجميع المصالح والأمن الدولي والاستراتيجي والبترولي يجب أن تبقى وتزداد وتحميها كل القوى.. وأين نحن؟ نحن غارقون في ليالي الأنس في فيينا، في لوس أنجلوس، في أكسفورد ولندن، في الطائرات المذهبة مفاتيحها، في الرياء الذي غطى كل الحقائق، ثم بالوقوف مرددين: آمين آمين.. والرب لا يجيب، لأنه يعرف أنه ليسوا من رعايا الله. ويبقى الخير كل الخير في الضمائر الحرة!!

أحييك أطيب تحية، مع تحياتي إلى الوالدة الكريمة وإلى الاخوة أعضاء رابطة إحياء التراث العربي، خاصة الأخ كامل، وفؤاد، وعصمت، وأكرم، وجميل، وجوزاف، ونعيم..

بانتظار رسائلك التي تشفي قلبي في الغربة الجديدة، ما زلت أتضرع إلى الرب أن يحمينا من مفاسد القلوب، وآثام الرجال وحقدهم، إن بقي على الأرض رجال.. فعلي بن أبي طالب خاطب جماعته مرة فقال:

يا رجال.. ويا أشباه الرجال.. ولا رجال.. كان ذلك منذ 1390 عاماً تقريباً، فهل تغيت قلوب الرجال؟ لنكون رجالاً في عصر نحمل فيه مشاعل حضارة وإنسانية تجمّل وتحمي مستقبل العالم.

أخي الأحب..

إلى لقاء في رسالة قادمة، وقد أرسلت للأخ كامل رسالة تعزية يوم أمس.

أخوك
محمد زهير الباشا
**