الأمة


فرجينيا/5/11/1989

أخي شربل..

يا أحب الناس عَ قلب زهير.. كيف لا.. وقد اخترت الكلمة الطيبة في مزاج صدق ونبل ووفاء؟

كيف صحتك، وصحة الاسرة، وصحة الاخوة الأدباء والكتّاب؟ أرجو أن ينعموا جميعاً بالخير والبركة.

وصلتني من يدك الكريمة السمحاء كل ما تفضّلت به، وأرسلته إليّ، فليبارك الرب عملك.

وما زلتَ أيها الأخ الأصدق منارة لكل من يبحث عن ألهوة التي مزقتها أيدي العابثين بالذهب وبالجنس وبالمتع الحسيّة وحدها، ولن يتخلص هذا العالم إلا بعودته إلى الشعر، الشعر المنطلق من الذات العليا، هذا الشعر الذي يداعب ألحلام فيكون حلماً.. ويتراقص على أجفان الصبايا فيكون صبراً وتعزية عن فراق.. ويلتمع في جبين العالم وهو يقدر ليالي الشوق بالحسبان. لقد قتلوا قصة قيس وليلى.. كثير وعزة، باختلاق مواقف ليست من حياة الإنسان.

الوفاء يا أخي أنتم رموزه وحقيقته وواقعه.. وكم يحتاج هذا الوجود المادي إلى لمسات الوفاء بتعاملكم وبنبل مقاصدكم.

آه.. بل ألف آه وآه على الحياة المزدحمة بالساعة تلو الساعة للنتاج المادي، أما الروح.. أما الوفاء فهو نسغ الروح، فقد مزقته أيدي اللصوص، وارتدى أهل اللصوصية أقنعة القراصنة، فلا ندري هل نحن في كرنفال مستمر، مسموم بلا بطاقة تموين.. وبطاقات دون تموين.

من أخبار الصحافة هنا: انني أوصلت التحية الطيبة من قلبك الطيب إلى رئيس تحرير صحيفة ألأمة.. لكنه أعلمني أن هذا الاسبوع هو ألسبوع ألأخير لصدورها. وهكذا تتساءل الأمة عن مصيرها؟ فما هو المصير القادم؟ أحروب جديدة في بقاع جديدة ونحن وقودها؟ والأسباب عديدة أهمها عدم تفاهم أولي الأمور فيها.. وسياسة التطاحن بمن سيكون ممثلاً لهذه الأمة.. حتى هذه الأمة ستغلق أفواهها وألسنتها وجرأتها.

المهم أننا أصبحنا بلا أمة.. فتصور أدباء وشعراء وروابط فكرية دون أمة أو شجرة للأسرة!.. بعثرة الجهود هذه مهمة الأمة في هذا العصر الرمادي.

حتى الآن لم يتكرم الثلج بالسقوط، لكن درجة الحرارة مالت إلى دون الصفر، ويا رب البرد مع الصبر، فالغربة والوطن يكويهما الجمر بعد الجمر..

الجديد في ألأمر/ أن الاذاعة البريطانية أنشأت محطة خاصة بها، تسمع في الشرق ألأميركي، وكنت قد تحدثت مع مسؤولين في الاذاعة المسماة صوت أميركا والتي تتوجه إلى أرض الوطن، أن يتوجه فرع منها إلى الشرق الأميركي والى كل الولايات.. لكنهم لم يقبلوا رأيي، وهذا الذكاء الانكليزي المعهود ينشىء محمطة اسمها الشركة العربية الاميركية، وبدأت بإذاعة أغنيات عربية، أما الاخبار فتنقل من لندن مباشرة في وقت يتناسب ونشرها الى البلاد العربية، واليوم اجريت اتصالاً بمسؤول في هذه الإذاعة لعلي أصل فيما بعد إلى تقديم برامج عن أعلام في التراث العربي.. في النحو واللغة، والادب والفكر. أرجو إن وصلت إلى يدك الكريمة جريدة الأنوار أن تتفضّل فترسلها لي ولك مزيد الشكر والامتنان.. ولسوف تنشر مجلة الثقافة بدمشق كلمتي المتواضعة حول يوم لبنان.. بهذا أخبرني الأخ نعمان.

أما هؤلاء المتشدقون الحاسدون فلهم الله وحده.. فالحسد يقتل صاحبه إن لم يجد من يقتله. لقد كان موقفك وموقف الجالية والرابطة أكبر رد على تخرصاتهم.

إنني أسعى كثيراً لتقديم أطروحة دكتوراة في جامعة جورج تاون، أو في إحدى جامعات لندن.. آمل أن تصل إلى الرب دعواتك الصادقة ونحن نسير في طريق الكلمة المجامر، وما في هذا الطريق سوى الوفاء العظيم الذي غمرني، وما زال يغمرني، وأرجو أن أستطيع فأرد جزءاً يسيراً مما طوقتم به عنقي.

سلامي وسلام أسرة الباشا إليكم، وخاصة اسرتكم الكريمة، وأسرة الرابطة والجالية..

وإلى اللقاء وأنتم جميعاً برعاية الرب.

أخوك
محمد زهير الباشا
**