فرجينيا/20/6/1989
الأخ الأحب إلى قلوبنا وإلى كل قلب.. شربل
تحية الصدق، والصدق مع أهله محنة عصر..
وتحية المحبة، والمحبة سجنتها أقفاص الذهب على شرفات الشانزليزيه، ومذابح آمون.
وتحية الاخلاص في زمن يشرئب فيه الضمير ليكون شبحاً، وصمتاً تؤرقه ليالي قيس بن ذريح.
وما أكثر ما يشدني إليك، والى الحديث عنك وعن شعرك، فكلما عرفتك، وعرفت شعرك ازداد قلبي حباً بك، وشغفاً للقاء بك..
عرفتك قبل أن ألقاك.. همت بدواوينك قبل أن أصغي لشعرك المسجل، بل سجل شعرك في أعماقي، وتعلمت منه الزجل والفن وقول الحق..
هذا ليس مديحاً، كما يحلو للبعض أن يفهم، وليثه يفهم معنى المحبة. خاف بعضهم أني لم أذكر سوى محاسن شعرك.. وهل قرؤوا ما كتبت؟ فلو فهموا ذلك لعرفوا أني حاولت كل جهدي إنصافك، ولعل بريق المحبة كان طاغياً في كتاباتي، فإذا أحببت كتبت، وإذا ـألمت سهرت وأرقت.. ,إذا اشتد بي الغضب صم، وخشيت على نفسي من أرق الليالي النابغية.
لا أضع نفسي موضع الاعتدال بالحب، فليس بالحب دوائر بيضاء وأخرى رمادية، وثالثة سوداء. إما الحب أو لا.. إما العدالة أو لا عدالة.. إما الصفاء أو ذلك البلاء، بلاء الطغاة.
القيم الانسانية لا تتجزأ، ولا توزع ببطاقات التموين والإغاثة كبطاقات شهرية بعدد أفراد الأسرة.. إذ ليس من الضروري أن يشبع أفرادها، والشبع والتخمة وكبرياء المواقف أمور للخاصة، والناس عبيد أرقاء لأوثان هذا العصر، ولكل عصر أوثانه.
ليت أولئك الذين كتبوا عن ملاحنا الشاحر عرفوا عن جدارة كما سطر أديبنا وأخونا أبو رزق، وتحدث به الأخ نمور، والسيدة ماري.. وطوني فقد عرف في مشواره ماذا سطرت يداي وقلبي. ولعلي، مهما شكرت لك ما قدمته بحفلة التكريم أوكون مقصراً بالاعتراف بفضلك:
اليد التي تعمل الخير بيضاء
والتي تعترف بالخير خضراء..
أما الناكرة لكل جميل فهي سوداء..
لعنة الفراعنة عليها منذ أن أعلن أخناتون توحيد الإله
في شمس أحرقت الكهنة المنجرين للجنة والثواب..
ثم قتلته على أيديهم..
وبقيت الانسانية تتلو الوصايا العشر
وهي لا تدري أي بشر يدفع ثمن الوصية.
وأنتم ونحن في صلواتنا نصب كل اللعنات عليهم،
لكن تشرذمنا كان أفدح المصائب..
فمتى نعود إلى إنسانيتنا التي تجمع القلوب تحت أفياء أرزة الرب؟
مرة، كتبت قصة: صمت المعذبين.. ثم قصة: من يحرق أغصان الياسمين؟ اعتذرت تلك المجلة المشهورة عن نشر أي منهما.. لماذا؟ لأن في القصتين ما ينافي سياسة تلك المجلة. كنت أتكلم فيهما عن الجراد الذي يستهلك طاقاتنا، يحرق مزروعات الخير في معابدنا، يجعل الياسمين رماداً، وبلفتة إلى سدوم وعمورة، عرفت أن الأيدز وحده كان لعنة على تلك وهذه.. ومن يلتفت إلى الخلف تذور أعضاؤه ليكون عموداً من ملح. فهل كان الملح وحده مطهراً للأيدز القديم، والملح لم يعثروا عليه ليعالج مدمني اللعنات.
ويا خيي شربل لقد أيدز العصر، رغم تلاقي العملاقين على استثمار خيرات العالم الثالث، وما لف في وثائقهما من وكلاء وعملاء، وبطريقة مهذبة اسمها: سحب الصواريخ والدبابات من ألمانيا المنقسمة على نفسها، المتآخية لغة ومصيراً ومستقبلاً.. والحمد والمجد لكل من ابتهل إلى أن تكون الأرض كرة غير مسحورة.
ثم قصة: النخلة في صحراء النقب.. لها ألف قصة وقصة!.. حوربت، منعت، سحبت، تداولها الاخوة مطبوعة كما وصلت إليك، ثم شذّبت، ولعلها ترى النور في صحيفة من صحف سيدني.
إنها تروي كما عرفتها.. لقد صورتها عقب نسخها في واشنطن، وأسرعت بإرسالها إليك. إنها غالية على قلبي هذه القصة.. سأتابع إرسال مجموعة قصصية علها ترضيك، وما يرضيني أن ترضى عن فن القصة الذي أسطره بكل الموجعات والآمال.
أكرر شكري إليك، فقد وصلت إلي جريدة صدى لبنان، ولا أدري ما هو رأي الدكتورة سمر، لعلها تتكرم فتسجل رأيها برسالة مباشرة.. وقد أسعدتني وأسعدت أم تميم بالشريط الذي ضم صوتك، وصوت الطفلة الياس، وصوت أهل الزجل والفن. وقد أرسلت رسالة لأخينا كلارك بعيني أشكر له جهوده التي يبذلها بمسلسله الوثائقي: شربل بعيني بأقلامهم.
وهنا بالاكاديمية عرضت على بعضهم بطاقة يوم 30 حزيران، فاستعجبوا.. فمنهم من أبدى اعتزازه، ومنهم من أصابته الغصة.. غصة الحقد، ومنهم من تمنى المزيد من عطائنا ألأدبي.
وسلمت يداك على الكتب الخمسة التي وصلت إليّ، وللعلم وافق أديب عربي هنا يتقن ألأدب الانكليزي على ترجمة قصص الأطفال إلى الانكليزية، ولعلي أجد بارقة أمل في نشر هذه القصص، قصص الأطفال.. وسأخبرك بما يحدث بشأنها.
المجلة التي كنت أنشر بها وهي مجلة (الأمة) توقفت عن الصدور منذ شهر.. ربما تعود إلى الصدور يومياً.
اعذرني إن أطلت، ولك مني ومن أم تميم كل المودة والتقدير، وإلى كل أفراد أسرتك ألف سلام. وإلى الاخوة الادباء الذين شاركوا في يوم الثلاثين من حزيران، والى كل من أيّد واعترض، واشترك بالدبكة وفرح وأطرب وغنى وابتسم.. والى كل الذين ساهموا في حفل التكريم كل التقدير والاحترام. وتأكد لو أن خروجي من هنا يكون على وجه قانوني، لجئت إليك سابحاً، أبحث عن مركب يقوده ملاح يبحث عن الله.
فإقامتي الآن بالطريق نحو الصبغة القانونية، إذ تحتاج إلى أشهر قادمة، والحمد لله أولاً وآخراً.
وإني على استغراب من أن أحداً بدمشق، حتى الآن، لم يبعث إليّ بأي جريدة. نشرت دراسة عن كتابي المتواضع، عفوك، عن كتابك أنت، فليس لي سوى الاسم على الغلاف، أما المضمون فهو أنت مع الارزة والله، مع الفن والحب والجمال..
فلم تعد تصلني أي رسالة من الأخ نعمان، ولا أدري ما السبب؟ لعله الخير!.. رغم أنه وعدني بكتابة نقدية، وبرسائل متلاحقة.
أحييك أطيب تحية
والى اللقاء
أخوك
محمد زهير الباشا
**