مقدمة




بقلم شربل بعيني

عندما أكتب عن صديقي الاديب السوري الكبير محمد زهير الباشا عليّ أن أتخلى عن حبي، واحترامي، وتقديري، ووفائي الأبدي له، لأتمكن من إنصافه أمام التاريخ، وخاصة أمام أناس لم ينصفوه أو ينصفوني حين أهداني دراسته القيّمة بنظري، المتواضعة بنظره: شربل بعيني ملاح يبحث عن الله.

لقد اتهم الباشا بألف اتهام، أشار إليها برسائله مراراً، كما اتهمت أنا بأنني دفعت له مبلغاً طائلاً من المال كي يكتب عني ما كتب. هكذا والله.

وهم لو تذكروا تلك الحادثة التي حصلت معي في مربد العراق 1987، لما حركوا ساكناً: فلقد لاحقني أحد الصحفيين اللبنانيين بغية إجراء حديث معي، وكنت أهرب منه ومن إلحاحه، إلى أن وافقت، وما أن أزف موعد إجراء المقابلة، حتى بدأ يخبرني بأن المقابلة بحاجة إلى شريط تسجيل، والشريط مكلف، وآلة التسجيل يلزمها بطاريات، والبطاريات مكلفة، وتفريغ الحديث يلزمه الكثير من الوقت، والوقت مكلف أيضاً.. إلى أن طالبني بمبلغ 500 دولار أميركي، وعندما أدرت له ظهري ومشيت، افتكر أن المبلغ الذي طلبه مني كبير، فصاح: سأجري المقابلة بـ 200 دولار، ما رأيك؟.. عندها التفت إليه وصحت: شربل بعيني لم يقبض مالاً ممن كتب عنهم.. ولن يدفع مالاً لأحد كي يكتب عنه.. وكان الدكتور عصام حداد شاهداً على تلك الواقعة.

وها هي رسائل الباشا الخالدة، بعد سنوات من ألمي النفسي لتلك التهم الخسيسة التي جاءت وللأسف ممن كنت أعتبرهم أصدقاء، تكشف الحقيقة وتصفعهم على أحناكهم، لا بل تلجمهم بصراحة كاتبها اللامتناهية، وتثبت للتاريخ أن قلم محمد زهير الباشا لا يباع، ولن يباع، رغم الظروف الصعبة والأليمة جداً جداً التي مرّ بها وما زال يمر بها.

صحيح أن الباشا طالبني بنشر بعض مؤلفاته، ولكنه كان في كل مرة يترك لي الخيار، إما الرفض وإما القبول، وكنت أختار الرفض، خوفاً من تلك الألسنة التي تتربص بي وبه.. فبمجرد قبولي بطباعة كتاب واحد للباشا ستثبت عليّ تلك التهمة اللعينة التي ما زالت ترن في مسمعي، وتقلق راحتي.

ألم يقل أحدهم، وقد قرأ بعض رسائل الباشا: الدفع يتم بعدة طرق، وما طباعة الكتب إلا واحدة منها.. فما الذي دفع الباشا لكتابة دراسته عنك، لو لم يطمع بطول أظافرك التي ستحك له جلده؟ على حد تعبيره الجارح، وهو يعلم حق العلم أنني لست غنياً، وأنني أستدين في معظم الأحيان من أجل طباعة كتبي، وإن تكارمت بشكل ملفت، فهذا لا يعني أنني ميسور، بل أن الله منحني نعمة الكرم، التي بدأت تتلاشى في عصر الجحود والطمع والتكالب هذا.

الرسائل تثبت أنني لم أحك جلد الباشا، أي أنني لم أدفع له قرشاً واحداً، حتى ولم أقدم له خدمة تربحه مالاً، لا بل هو الذي حك جلدي بكرمه الغامر، ودعم مجلتي ليلى لسنوات طويلة، كتابة واشتراكاً، أجل، كان الباشا يكتب وفي نفس الوقت يدفع اشتراكه بالدولار الأميركي، خوفاً عليها من الضياع.. وأعتقد أنه حزن على غيابها أكثر من حزني عليها، لذلك اسمحوا لي أن أرد بعض الدين الذي بعنقي لهذا الأديب العربي العظيم، وأن أبدأ بالعمل الجدي من أجل تخليد اسمه وأعماله في موقع يحمل اسمه، ويتفرع من مجلة (الغربة)، أنشر به أفلاماً وكتباً ومقالات له وعنه، وبهذا أكون قد أثبت لنفسي قبل أن أثبت له وللقراء أنني حقاً ملاح يبحث عن الله.
وإليكم بداية رحلتي مع هذا العملاق الدمشقي المدعو محمد زهير الباشا:
**